هل غريب الأطوار يثق بنفسه؟
محتوي المقال
من هو غريب الأطوار؟
يعرف غريب الأطوار بأنه من يخالف العرف السائد في مجتمعه من حيث المظهر أو طريقة التصرف.
وحيث إن غرابة الأطوار تكون ملفتة للنظر عادة، فإن عددا من المراهقين يميلون إلى التصرف بهذه الطريقة أملا في لفت الانتباه إليه، ومن ذلك تصفيف الشعر بطريقة مختلفة، وأحيانا حلاقة الرأس بطريقة مختلفة بتقصير جزء بشدة وترك الباقي، أو ارتداء ملابس غير عادية في المجتمع، أو ارتداء أقراط غريبة في الحواجب أو الأنف أو وضع الوشوم طبعا.
وبكل أسف لم تعد هذه التصرفات حكرا على المراهقين في العمر، بل صار ديدنا لبعض المراهقين فكريا، فتجد رجلا بالغا يفعل شيئا من هذا، وهكذا.
والآن نعود إلى السؤال الرئيس:
هل يكون غريب الأطوار واثقا بنفسه؟
نشر موقع البي بي سي وورك لايف عن تجربة طريفة ومهمة جرت في المجتمع الغربي (صاحب القيم المختلفة عنا كثيرا)، فقد قامت الباحثتان كريستين بروسارد وهيلين هارتون في العام 2017 بعمل بحث لصالح جامعة شمال آيوا، وكان من نتائج البحث معرفة آراء العينة البحثية في أصحاب الوشوم.
وفي التجربة قامت الباحثتان بعرض مجموعة كبيرة من صور الناس الذين يضع عدد منهم الوشوم، وطلبتا من المشاركين في البحث أن يعطوا انطباعاتهم الشخصية عن أصحب الصور من مجرد الصورة، في موضوعات مثل: الأمانة والذكاء والنجاح والثقة بالنفس. وتم تسجيل آراء عينة البحث، ومن ثم عرضت عليهم نفس الصور مرة أخرى وقد تمت معالجة الوشوم ببرمجيات الحاسوب فلم تعد ظاهرة، وتم تسجيل آراؤهم أيضا.
وكانت النتيجة مفاجئة، فقد كانت عينة البحث عموما أقل ثقة في أصحاب الوشوم منه فيمن لا يظهر منهم شيء كهذا، أما المفاجأة الأكبر فكانت أن أصحاب الوشوم من ذات الفئة عينة البحث كانت أيضا ثقتهم أقل فيمن يضعون وشوما!!! وقد عززت هذا البحث بعض الملاحظات من أن المديرين الذين يضعون وشوما هم أنفسهم لا يثقون فيمن يضع الوشوم!!! وكأن لسان حالهم كيف أثق فيمن وقع فيما وقعت فيه!!!
وبالعودة إلى محيطنا العربي والإسلامي، فإنه حتى من اشتهر عنه المجون من لشباب إذا أراد الزواج فمن النادر جدا أن يفكر في فتاة تقبل ذلك.
والذي أخلص إليه مما تقدم أن الشخص الذي يأتي بتصرفات غريبة للفت الأنظار، هو شخص يبحث عن سكينة لم يجدها، فيبحث عنه في اهتمام الآخرين ونظراتهم له، وسبحان الله تعالى إذ يقول: (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) فالسكينة والطمأنينة تكون في معية الله تعالى وذكره، لا في أي شيء آخر.
وفي المقابل يقول تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا)، ولهذا فإن أهم ما يمكن أن ينصح به الآباء الذين يعانون من مظاهر كهذه مع أبنائهم وبناتهم هو حضهم على التقرب من الله تعالى، ففي الحديث القدسي: (قال الله عز وجل أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منه، وإن تقرب إلي شبرا تقربت منه ذراعا، وإن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة).
ونذكر أيضا أن أكثر ما يؤثر في معظم الأبناء والبنات هو عاملين: القدوة، والبيئة. فإن الابن إن رأى والديه قد التزما الجادة، فإنه يكون أقرب إلى ذلك من تلقاء نفسه، وإن انشغلا بالحياة الدنيا وقدماها على الآخرة تابعهما فيما يفعلانه، واستغرب وقتها منهما أن يأمراه بعكس ما يفعلان، وكذلك إن وجد البيئة من حوله (مدرسين وزملاء في المدرسة والنادي إلى آخر ذلك) إن وجد فيهم بيئة صالحة فإنه يتأثر بهم أيضا بشدة.
وأما من يريد أن يصلح من نفسه ولا يعرف الطريق فإن العودة إلى الله تعالى ليس كمثلها شيء، ومما قاله الله تعالى عن طرق الإصلاح هو قوله (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا) فالله تعالى عندما ذكر قيام الليل قال بوضوح: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا) فالقيام من الفراش الدافئ في الليل إلى الوضوء والصلاة هو أمر ثقيل على النفس بكل تأكيد، لكن الله تعالى ختم ذات الآية بقوله تعالى: (وَأَقْوَمُ قِيلًا)، لهذا فقيام الليل من أعظم ما يصلح صاحبه
المصدر: BBC